الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية STOP : الصحافة الوطنية تحتضر

نشر في  04 ماي 2016  (11:11)

 شأنهم شأن كل صحفيي العالم، احتفل رجال المهنة ونساؤها في تونس باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يوافق يوم الثالث من ماي من كل سنة، وفي وقت يقر فيه الكثيرون بأن الاعلام التونسي تمتع بعد الثورة بالحرية والتعددية مقارنة بما كان عليه واقع الاعلام قبل 5 سنوات من اليوم، لكن زخم الحريات لا يجب ان يغطّي على العراقيل والعقبات الكثيرة التي تتربص بقطاع الاعلام، وخاصة في مجال الصحافة المكتوبة التي تنبئ كل المؤشرات انها تسير في طريق الاندثار والغرق خاصة بسبب دفع مؤسساتها الى الافلاس والتوقف النهائي عن النشاط.
ولا يختلف اثنان في كون قطاع الصحافة المكتوبة يعاني الويلات ولعل الحكومات المتتالية اثر الثورة عمدت الى مزيد تفاقم الأوضاع حيث تم الغاء الاشتراكات التي كانت الادارة والمؤسسات العمومية تقتطعها من الصحف والدوريات وخفضها الى كميات ضئيلة جدا لا تكاد تذكر، اضافة الى انحصار مساحات الاشهار ورفض كل الاقتراحات المنادية بتنظيم توزيع الاشهار العمومي عبر هيكل مستقل، ودون ان ننسى محاكمة الاعلاميين بمقتضى قانون الارهاب على خلفية اعمال وتحقيقات صحفية.
غياب الاشهار.. المحاكمات.. غلاء الورق.. الغاء الاشتراكات .. غياب المستثمرين ودخول المال الفاسد على الخطّ، كلها عوامل تجعل المتابع للشأن العام يلاحظ التحالف الذي قد جمع بعض رؤوس الأموال بالمؤسسات الإعلامية والتجاء بعض رجال الأعمال الى شراء مؤسسات إعلامية وتغيير مسارها التحريري خدمة لمصالحهم وأجنداتهم الخاصة...
كلها اسباب قد تدفع بعض المؤسسات ان لم نقل جلها الى التوقف وإعلان الافلاس اذا لم تتخذ الاجراءات الدنيا لإنقاذها، وفي ظل كل هذه العراقيل واضافة الى الصعوبات التي يمر بها اصحاب هذه المؤسسات الاعلامية يجد الصحفي اليوم نفسه يعاني ظروفا اجتماعية مزرية أمام صمت حكومي غير مبرّر، ولن نبالغ ان قلنا ان الصحفي يكاد يكون الموظف الوحيد في البلاد الذي لم يثر على وضعه الاجتماعي التعيس خاصة أن الوضعية الحالية حرمت مئات العاملين من الزيادات في الأجور اضافة الى أن عدة مؤسسات صحفية أصبحت غير قادرة على صرف الأجور بانتظام وعلى تطبيق الاتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة.
 توفيق العياشي: لو استمرت الأزمة ستندثر الصحف المكتوبة مع مطلع 2020
ذكر الصحفي توفيق العياشي أن من بين المشاكل التي تعاني منها الصحافة المكتوبة، ما انجر عن التطوّر التكنولوجي وبروز وسائل الاتصال الحديثة ونزوع الناس الى المعرفة السهلة بواسطة الأنترنات ووسائل الاتصال الاجتماعي، اضافة الى فقدان عادات القراءة التقليدية، حيث هجر المواطن الصحف واتجه الى التكنولوجيات الحديثة . من جهة أخرى ذكر العياشي أن الصحافة المكتوبة في تونس تقوم على مؤسسات هشّة وضعيفة من حيث التمويل ومن حيث محدودية سوق التوزيع واحتكار آليات التوزيع وهو ما يجعل الصحافة المكتوبة قطاعا متحكما فيه. وتطرق توفيق العياشي الى وضعية الصحفيين في الصحافة المكتوبة مؤكدا أنهم أضعف الفئات الاجتماعية في مجال الاعلام، مشيرا الى أن هشاشة المؤسسات وتدني الوضع الاجتماعي يخلقان مؤسسات مضطربة وغير قادرة على الصمود . ومن أبرز الأسباب الأخرى لهذه الأزمة الخانقة التي يمر بها قطاع الصحافة المكتوبة، عرّج العياشي على موضوع ضيق سوق الاشهار وانعدام آليات التوزيع العادل للاشهار العمومي كما كان عليه سابقا. كما تحدث الزميل عن الانفلات الكمّي في عدد الصحف بعد الثورة، مشيرا إلى ظهور بعض «المنشورات» التي أساءت الى نبل المهنة من خلال تعويلها على المال السياسي الفاسد، مبينا أن هذه المنشورات عفنّت المضامين الاعلامية وأغرقت الساحة الاعلامية في الفوضى . وعن الحلول، ذكر انه من الضروري جدا التسريع في بعث المجلس الأعلى للصحافة المكتوبة لتنظيم القطاع واعادة هيكلته والوقوف أمام سيطرة وتدخل المال الفاسد والتصدي للدخلاء على المهنة، ومن الحلول ايضا وضع تشريعات واضحة تنظم عمل المؤسسات الاعلامية ونسب تمتيعها بالاشهار العمومي حسب نسب سحبها واحترامها لاخلاقيات المهنة . وختم العياشي كلامه بتأكيده أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه فاننا لن نجد أي صحيفة مكتوبة مع مطلع 2020 .
 الطيب الزهار: قطاع الصحافة المكتوبة يعيش أزمة خانقة
واكد لنا الطيّب الزهار رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف أن قطاع الصحافة المكتوبة يعيش أزمة خانقة منذ 5 سنوات مؤكدا أن هذه الفترة تعدّ الأصعب في تاريخ الصحافة المكتوبة، حيث بيّن أن القطاع شهد عديد التضييقات خلال فترة حكم الترويكا منها الغاء الاشتراكات في المؤسسات العمومية والوزارات ورفض اعادة تنظيم الاشهار العمومي، حيث كان يمنح بطرق غير شفافة، مضيفا أن الرغبة خلال تلك الفترة كانت تتجه نحو تركيع الاعلام وأما اليوم فذكر انه لا توجد ارادة سياسية واضحة للنهوض بالقطاع ومدّ يدّ المساعدة. ومن المشاكل الأخرى التي حدثنا عنها مدير مجلة «رياليتي» اضافة الى نقص الموارد العمومية نقص الموارد الخاصة ورفض المؤسسات الاقتصادية دعم الصحف . وأفادنا الزهار أنه تم الاتفاق منذ قرابة السنة والنصف مع الحكومة الحالية على ايجاد حلول عاجلة للصحافة المكتوبة باعتبار دورها الهام في بناء الديمقراطيات، مشيرا الى انه تم منذ قرابة الأسبوعين اتخاذ قرار باعادة تنظيم الاشهار العمومي بانشاء مؤسسة تخضع لكلّ المقاييس أجل التوزيع العادل للاشهار بعيدا عن سياسة الاملاءات والمحاباة والتدخل في الخطّ التحريري أي مؤسسة مختلفة في مضمونها عن وكالة الاتصال الخارجي توزّع الاشهار وفقا لمهنية المؤسسة واحترامها لاخلاقيات المهنة، مبينا أنه لم يتم تفعيل هذا القرار الى حدّ اليوم وبقي مجرّد حبر على ورق. وفي نفس السياق لم يخف محدثنا خشيته من اندثار الصحافة المكتوبة بعد افلاسها واضطرار اصحاب المؤسسات الى اغلاق الصحف نهائيا لأن الوضع الراهن لا يبشر بخير على حدّ تعبيره، كما بيّن أن جل هذه المؤسسات اليوم واضافة الى صعوبة اصدار الصحف، باتت عاجزة عن تسديد أجور العاملين وخلاص صناديق الضمان الاجتماعي والضرائب وغيرها من الالتزامات. ومن بين الحلول التي اقترحها الزهار بعث صندوق دعم من أجل اعادة تأهيل قطاع الصحافة المكتوبة، وعودة الاشتراكات بالوزارات والمؤسسات العمومية وتنظيم قطاع الاشهار العمومي من خلال التوزيع الشفاف له. وختم محدثنا كلامه بتأكيد أن دعم الصحافة المكتوبة هو واجب وطني .
 زياد الهاني: الصحافة المكتوبة هي القطاع الوحيد المستباح في تونس
أما الصحفي زياد الهاني، فذكر أن أسباب الأزمة التي تعيشها الصحافة المكتوبة متعددة، منها نزوح القارئ من المطبوع الى الالكتروني، اضافة الى محتوى الصحف التونسية، مبينا أن القارئ اليوم لم يعد يهتم بالخبر في حدّ ذاته بل بما وراء الخبر وهو ما يبحث عنه في الصحف لأنه وبفضل الأنترنات باتت الأخبار متوفرة بطريقة آنية وحينية، وهو ما يجعل الصحف أمام حلّ وحيد لجلب القارئ وهو تسليطها الضوء على ما وراء الخبر . ومن العراقيل الأخرى التي تحدث عنها الهاني هو أن قطاع الصحافة المكتوبة بات القطاع الوحيد المستباح في تونس حيث بات كل من هبّ ودبّ بامكانه العمل والانتصاب الفوضوي في الصحافة وذلك لانعدام ضوابط تنظيمية قانونية . وأشار محدثنا الى أن كثرة عناوين الصحف قلصت من حجم الاستثمار وسوق الاشهار، اضافة الى أن التجاء بعض الصحف الى العناوين المثيرة حطّ من قيمة الصحافة المكتوبة. وأكد زياد الهاني أن النيّة تتجه اليوم الى تنظيم الاشهار العمومي بشكل تستفيد منه المؤسسات الجدّية والتي تلتزم بضوابط ومواصفات معينة، مبينا انه لا توجد أي صحيفة على المستوى العالمي بامكانها الصمود من خلال مبيعاتها وبالتالي من الضروري تنظيم سوق الاشهار لضمان استمرارية الصحافة المكتوبة . وللخروج من هذه الأزمة اقترح الهاني ضرورة الاسراع في تنظيم القطاع ووضع كراس شروط يوفر مجموعة من المستلزمات تضمن استمرارية الصحف دون تضييق على حرية الرأي والتعبير، كما اقترح الهاني أن تقوم الصحف الورقية بالتركيز أكثر ما يمكن على المحتوى والتحليل وتقديم الاضافة التي من شأنها ان تستعيد القارئ . وختم بتأكيده أن عملية تنظيم قطاع الصحافة المكتوبة ستساهم في الارتقاء بمستوى الصحافة وذلك من خلال تضييق المجال أمام «الخرق» الصفراء التي تتمعش من المال الفاسد ويتم احداثها لخدمة أغراض ليس لها أية علاقة برسالة المهنة الصحفية النبيلة .
خلاصة القول ان الوضع الهشّ الذي يعيشه قطاع الصحافة المكتوبة، مردّه بالأساس عدم جديّة الحكومة الحالية لحل اشكالات القطاع وانتهاجها سياسة «مولى الدار موش هوني»، وبناء عليه نلخص الحلول العاجلة للخروج من هذه الأزمة في :
1ـ اقتطاع الاشتراكات في الصحف والدوريات والزيادة في كمياتها كشكل من اشكال الدعم.
2 ـ الاسراع في تنفيذ الاتفاق حول الإشهار العمومي في الصحافة الورقية والإلكترونية.
3 ـ انشاء صندوق خاص بالصحافة المكتوبة من شأنه مساعدتها على تطوير قدراتها ومواكبة التقنيات الحديثة والحفاظ على مواطن الشغل، وذلك على غرار العديد من البلدان.
مشاكل بالجملة يجب التصدي لها بحزم وقبل فوات الآوان واندثار الصحافة الوطنية كما حصل مع اشهر «الورقيات» على غرار السفير اللبنانية وغيرها .
 
اعداد : سنــاء المــاجري